الحمد لله نحمده ، ونستعين به ، ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله ، سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلِ وسلم ، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريته ومن والاه ، ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
ثلاثة بنود محور خطبة سابقة :
أيها الإخوة الكرام ، في الخطبة السابقة كان الحديث عن أسماء الله الحسنى ، وفي هذه الخطبة أتابع الموضوع ، وسأذكركم بالبنود الثلاثة الأساسية التي كانت محور الخطبة السابقة .
1 – الله جل جلاله له الكمال المطلق :
أولاً :
( سورة الأعراف)
كمال الله كمال مطلق ، وكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك ، وينبغي أن تؤوِّل أيَّ شيء متعلق بالذات الإلهية بالكمال الذي يليق بالذات الإلهية ، لأن الله عز وجل يقول :
( سورة الأعراف)
2 – دعاء الله بأسمائه وصفاته :
المحور الثاني : فادعوه بها .
معنى : فَادْعُوهُ بِهَا
لهذه الكلمة معنيان :
المعنى الأول :
الأول أنت حينما تعرف قدرته تسأله ، وحينما تعرف رحمته تستغفره ، وحينما تعرف أنه الرزاق تسترزقه من دون أن تبذل ماء وجهك لإنسان ، من دون أن تتضعضع أمام غني ، لا يمكن إلا أن يكون فهمك لأسماء الله الحسنى منعكساً على سلوكك .
إذاً : فادعوه بها من أجل أن يكون الدعاء مستجاباً ، من أجل أن يكون الدعاء واثقاً ، من أجل أن يكون الدعاء محكماً يجب أن تعرف من تدعو .
المعنى الثاني :
والمعنى الثاني : حينما تدعوه تتقرب إليه بكمال مشتق منه ، إن دعوت العدل فينبغي أن تكون عادلاً بين أولادك ، إن دعوت الرحيم فينبغي أن ترحم خلق الله عز وجل ، إن دعوت اللطيف فينبغي أن تكون رقيقاً ، وفي الحديث عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ )) .
[ مسلم ]
أي تعرفه ، فيكون دعاءك محكماً مستجاباً ، وتعرفه فتكون معرفتك قربة إليه به .
بين الإحصاءِ والعدِّ :
أما :
] لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) [
( سورة مريم)
من هذه الآية يتبين أن الإحصاء شيء ، وأن العد شيء آخر ، العد أن تقول : في هذا الصف أربعون طالباً ، أما الإحصاء فأن تعرف طَالباً طالباً ، وضعه الصحي والاجتماعي ، والنفسي والديني ، والأسري ، وتقدمه ، ووتيرة التقدم ، وخصائصه ، وبأي شيء متفوق ، لذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح :
(( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا ـ لم يقل : مَن عدّها ـ مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ )) .
[ متفق عليه]
الآثار المترتبة على معرفة أسماء الله الحسنى :
تعد الأسماء الحسنى أكبر ركيزة في الإيمان ، وسوف نرى في هذه الخطبة الآثار المترتبة على معرفتك بأسماء الله الحسنى .
الأثر الأول : تعظيم الله عز وجل :
يجب أن نؤمن إيماناً قطعياً أن الإيمان بالله شيء ، وأن الإيمان به عظيماً شيء آخر ، الدليل قوله تعالى :
( سورة الحاقة )
أي : مًن استحق دخول النار .
التركيز على كلمة ( عظيم ) .
للتقريب : الله عز وجل يقول :
( سورة الأحزاب )
الأمر ينصب لا على الذكر ، لماذا ؟ لأن المنافقين يذكرون الله ، قال تعالى :
( سورة النساء)
المنافق يذكر الله ، لكنه يذكره الذكر القليل ، لذلك حينما قال الله عز وجل :
(سورة الأحزاب)
الأمر منصب على الكثرة لا على الذكر .
الآن :
( سورة الحاقة )
الأمر منصب على العظيم لأن إبليس آمن بالله :
[ سورة ص]
آمن به رباً وعزيزاً وخالقاً :
( سورة الأعراف)
وآمن باليوم الآخر ، ومع ذلك هو إبليس ، فالذي يؤمن دون أن يستقيم يمكن أن نسمي إيمانه إيماناً إبليسياً ، الذي يؤمن دون أن يلتزم ، الذي يؤمن دون أن يقف موقفاً يؤكد إيمانه ، لأن الإيمان ما وقر في القلب ، وأقر به اللسان ، وأكده العمل ، نحن أمام مليار وستمئة مليون مسلم ، لا تجد في أعمالهم ما يؤكد أنهم مؤمنون باليوم الآخر ، فيهم اغتصاب أموال ، وغش ، ووقوع في المحرمات ، وغيبة ، ونميمة ، وما أدخلوا اليوم الآخر في حساباتهم إطلاقاً ، فلذلك ادعاء الإيمان لا قيمة له .
أيها الإخوة ، أول شيء من آثار الإيمان بأسماء الله الحسنى تعظيم الله ، ويجب أن تؤمن أن هناك علاقة مطردة بين تعظيم الله و طاعته .
هناك مثل أضربه كثيراً : قد تأتيك ورقة من دائرة البريد ؛ أن تعال يوم الخميس لتسلُّم رسالة مسجلة ، هذه الورقة لا تحرك فيك شعرة ، وقد تذهب وربما لا تذهب ، قد تأتيك ورقة بالقياس نفسه من جهة أخرى فلا تنام الليل ثلاثة أيام ، لأنك سمعت قصصاً كثيرة عن الذين دخلوا ، ولم يرجعوا ، لذلك صار عندك ترقب ، فحينما تؤمن بالله العظيم تستقيم على أمره ، لأنه كما قيل : " أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً " .
كلما ازداد إيمانُك ازدادت خشيتُك :
كلما ازداد إيمانك ازدادت خشيتك ، لأن مقياس إيمانك هو استقامتك ، هؤلاء الذين يقول أحدُهم : أنا مؤمن ، ما دمت مؤمناً فلمَ تعصي الله ؟
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطـعته إن المحب لمن يحب مطيع
***
أيها الإخوة الكرام ، حينما تتعرف إلى اسم ( الحليم ) ، الحليم يمهل ولا يهمل ، الحليم لا يعني أنه لا يعاقب ، لكن لا يسرع في العقاب ، وحينما تعرف اسم ( الغفور ) تستغفر الله ، حينما تعرف اسم ( الرحيم ) تسأله التوبة ، حينما تعلم أنه شديد العقاب ، حينما تعلم أنه منتقم ، منتقم أي يوقف الكافر عند حده ، من هو أغبى الأغبياء ؟ الذي لا يدخل الله في حساباته .
صدقوا أيها الإخوة الكرام أن أسماء الله الحسنى يمكن أن تكون أكبر ركن من أركان الإيمان بالله .
أذكر مرة كنت في مسجد ، ودخل إنسان قصير القامة ، منحني الظهر ، يرتدي ثيابا بيضاء ليصلي المغرب ، أنا وصديق لي ما إن رأيت هذا الإنسان حتى أسرعت إليه ، وسلمت عليه سلاماً في أعلى درجات الأدب ، الذي كان معي لفت نظره هذا الاهتمام ، قال لي : من هذا ؟ قلت : هذا عميد كليتنا في الأدب العربي ، وعلّمنا أربع سنوات ، وهو من أكبر علماء النحو في البلد ، هو يراه إنسانا كبيرا في السن ، منحني الظهر ، دخل ليصلي ، أما أنا فاستمعت إلى دروسه أربع سنوات ، فحجمه عندي كبير جداً .
كلما تعمقت في أسماء الله الحسنى كان تعظيمك لله أكبر ، وكانت طاعتك أشد ، وكانت مسارعتك إلى رضوانه أكثر ، فأصل الدين معرفة الله .
هذه هي مشكلة المسلمين اليوم :
يمكن أن أقول لكم ، وأنا واثق مما أقول : إن مشكلة المسلمين الأولى ، المليار وستمئة مليون مسلم في المدارس ، وفي المساجد عرفوا أمْر الله ، لكنهم ما عرفوه ، لو عرفوه لعدّ الواحد إلى المليون قبل أن يعصيه ، فما بال المسلمين يأكلون أموال بعضهم ظلماً وعدواناً ، سبعمئة ألف دعوى في قصر العدل اغتصاب بيوت ، وشركات ، وأموال ، وميراث ، لأنهم لا يعرفون الله .
أيها الإخوة الكرام ، سامحوني لو قسوت ، لما يبني إنسان ربحه على مضرة الآخرين ، أنا أقول له : ألغيت صلاتك وصيامك إنسان وحجك وزكاتك إلغاء كليا ، لما تبني منفعة كبيرة على الإضرار بالناس بمادة غذائية لا تصلح للاستهلاك البشري ، بأساليب ملتوية ، أدخلتها ، وبعتها ، وحققت أرباحاً كبيرة ، لو حججتَ سبعًا وثلاثين حجة فاعتبر نفسك أنك ألغيتها كلها ، لو اعتمرتَ ثماني وثلاثين عمرة ، لو صليت في الصف الأول ، لو حفظت كتاب الله كله ، ما دمت بنيت منفعة خاصة على إضرار الناس فقد ألغيت عبادتك ، هذا ليس كلامي ، السيدة عائشة رضي الله عنها قالت : << قولوا لفلان : إنه ألغى جهاده مع رسول الله >> .
( سورة الفرقان)
والله أيها الإخوة الكرام ، لو اطلعتم على أساليب الغش التي يمارسها التجار رواد المساجد من أجل الربح لشِبْتُم .
قد توضع مادة كيميائية مسرطنة في مادة غذائية حتى يزداد بياضها ، فيرتفع سعرها ، ما صلاته ؟ ما صيامه ؟ ما حجه ؟ ما زكاته ؟
حينما تعرف أسماء الله الحسنى تعد للمليار قبل أن تأكل مالاً حراماً :
(( ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام )) .
[ ورد في الأثر ]
المسلمون الآن همُّهم اغتصاب بيوت ، اغتصاب محلات ، اغتصاب شركات ، وأكثر شيء يأتيني عبر الهاتف أن الإنسان إذا مات لا يعطون بناته شيئاً ، فقط للذكور ، ترك ثلاث محلات تجارية ، الأبناء أخذوا قرارا أن المحلات لنا فقط ، البنات ما لهم شيء ، لو صلوا الجمعة ، ولو لبس ثوبا أبيض ، وتعطر بعطر مسكي ، وأمسك مسبحة ، ووضع مسواكا في جيبه ، على قدر ما تستطيع أقِم في نفسك مظاهر إسلامية ، لكن لا قيمة لكل هذه المظاهر ، ضع مصحفا في سيارتك ، اكتب : ] إِنّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًاً مُبِيناً [ ، في المحل التجاري ، افعل ما تريد ، و : ] وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [ ، في عيادة الطبيب ، وهو لا يستقيم على أمر الله ، يبتز المرضى ، الذي سحقنا المظاهر ، الذي سحقنا المظاهر الفارغة .
(( إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ )) .
[ متفق عليه]
أيها الإخوة الكرام ، حينما تعرف أسماء الله الحسنى تعد للمليار قبل أن تعصيه ، قبل أن تأكل مالاً حراماً ، قبل أن تغشّ المسلمين ، قبل أن تبيع بضاعة فاسدة ، يمكن أن يكون الدواء ثمنه ألف ومئتان ، وفي غفلة منك مضى وقت صلاحيته ، تحكه بالشفرة ، يأتي طفل فتبيعه الدواء ، لقد ألغيت صلاتك وصيامك ، وحجك وزكاتك ، لأنك بنيت ربحك على مضرة إنسان .
أيها الإخوة الكرام ، الدين ليس في هذا المسجد ، في أعمالكم ، في بيوتكم ، في الأسواق ، في العيادة ، في المكتب الهندسي ، في مكتب المحاماة ، الدين هناك ، حينما تقف عند الحدود ، وحينما تخشى ربك المعبود ، وحينما تستقيم على أمرك ، بأيّ مظهر كنت فأنت مقبول عند الله ، بأية طريقة كنت أنت مقبول عند الله ، وتعلُّقُ المسلمين بالمظاهر أوردهم المهالك .
أيها الإخوة الكرام ، أول أثر من آثار الإيمان بأسماء الله الحسنى تعظيم الله ، ومع التعظيم الخشية ، لذلك قد تكون في المركبة ، وفي المركبة عدّادان : عداد السرعة وعداد حركة المحرك ، أحياناً العقارب تتحرك معاً ، أنا أقول لكم : عقرب الخوف من الله والخشية منه يرافقه الاستقامة على أمر الله ، وكلما عظمته كلما ازددت طاعة له ، لا تمتحن إيمانك بأنك تقر بأن لا إله إلا الله ، امتحن إيمانك بطاعتك لله ، الإيمان الذي لا يحملك على طاعة الله إيمان إبليسي لا يقدم ولا يؤخر ، ماذا نفعل بهذا الحديث الصحيح ؟
(( ... وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ )) .
[ أبو داود عن ابن عباس ]
عمرة رمضان فيها أربع ملايين مسلم ، والحديث :
(( ... وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ )) .
أعطني مؤمناً وقّافاً عند حدود الله ، وخذ نصراً مؤكداً ، الله عز وجل لا يتخلى عنا ، لكن النصر له أسباب ، وما لم ندفع ثمن النصر فلا يمكن أن نرى نصراً ، هذا الأثر الأول تعظيم الله عز وجل ، الله عظيم عندك ، فلا تعصه ، لا تأكل المال الحرام :
(( ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام )) .
[ ورد في الأثر ]